شخصيات

شخصية ريك

ريك، الرجل الأذكى في الكون، يجد من الأسهل عليه أن يواجه كائنات فضائية خارقة ومنظمات قمعية عابرة للأبعاد، على أن يتواصل مع المقرّبين إليه. فيُسخِّر دائما ذكاءه الخارق لا لحل مشكلاته، بل للهرب منها، هو يستطيع أن يصنع عالما كاملا خياليا لابنته بيث في طفولتها، لكنه يعجز عن أن يُجالسها ويتواصل معها كأي أب، ويستطيع أن يُحوِّل نفسه إلى قطعة من الخيار المخلل، لكنه يعجز عن حضور جلسة علاج أُسري لمواجهة مشكلات عائلته التي كان هو نفسه سببا أساسيا فيها.

فحتى تتواصل بشكل عميق مع شخص آخر، يصير عليك أن تكشف جزءا من هشاشتك واحتياجك إلى ذلك الآخر، وهو ما يرفضه ريك وتأباه عليه نرجسيته. لهذا، يقنع نفسه أنه لا يحتاج إلى أي أحد، فكما يقول في إحدى الحلقات: “الحب هو تعبير عن أُلفة تأتي مع الوقت، ولأني أستطيع أن أسافر إلى عدد لا نهائي من الخطوط الزمنية، لا أجد بي حاجة إلى الارتباط بأي شخص”. هذا ما يظنه عن نفسه، لكن ذلك الظن هو ميكانيزم دفاعي آخر، محاولة أخرى للهرب، فريك ليس فقط الرجل الأذكى في الكون، بل الرجل الأكثر وحدة أيضا. ووحدته، كعبقريته، من صنع يديه، فيُبدِّد مرة تلو الأخرى كل فرصة للتواصل، ليجد نفسه حبيسا لسياج من عزلة وحزن.




في الموسم الأخير من المسلسل، تأتي لريك تلك الفرصة على هيئة طوني، الفضائي الذي اعتدى على خصوصية ريك وأخذ يستخدم مرحاضه الخاص الذي وضعه في كوكب منعزل. يُهدِّ١د ريك طوني بالقتل إذا ما اقترب من مرحاضه مرة أخرى، لكن طوني لم يكن محض فضائي آخر، بل روح وحيدة تفهم ما يعتري قلب ريك من ألم. ولهذا، لا يهرب طوني، بل يعود مرة أخرى إلى المرحاض حتى يقابل ريك ويتحدث معه.

حينها، لا يفعل ريك إلّا ما اعتاد أن يفعله، يهرب من فرصة التواصل، ويُسخِّر عبقريته ليُبقي طوني بعيدا عنه. فيحتفظ ريك بكل أولئك الذين يودّ أن يُبقيهم بعيدين عنه وفي الوقت نفسه لا يرغب في إيذائهم في غرفة في مختبره، منوّمين داخل عقار هلوسة، ما يُوضِّح لنا لأي مدى قد يذهب ريك حتى لا يضطر أن يفتح قلبه لأي شخص. وهناك، يضع طوني.

لا ينجح العقار مع طوني، فيُطلق ريك سراحه ويتوعّده حتى لا يأتي مرة أخرى. لكن ريك هو الذي يأتي إليه في المرة التالية، فقد أبى عليه غروره أن يتصالح مع كون أحدهم قد اخترق حواجزه واستبصر ما يعانيه من وحدة، ومن هنا، يحاول إذلال طوني. كان يخطط أن يجذب طوني للمجيء إلى المرحاض مجددا، وفور جلوسه عليه، تنطلق مزحة ريك القاسية. عندما يحاول ريك مقابلة طوني مرة أخرى، يكتشف أنه ذهب إلى حيث لن يستطيع ريك إيجاده أبدا، مات طوني.




تضرب الوحدة حينها كيان ريك، وتضغط بثقلها عليه. اخترقت أُلفته لطوني أسيجة عزلته رغما عنه، وعندما رحل شعر بخواء يحطم قلبه. إلى المرحاض حيث اكتشف وجود طوني أول مرة، وحيث حضّر له الخدعة، يذهب ريك سكيرا. فور جلوس ريك على المرحاض، تنطلق الخدعة التي صار هو فريستها، عشرات الأطياف له تصرخ معا: “هاك! استمتع بالجلوس هنا وفكّر، لا أحد يريد أن يكون قريبا منك، فقد أفسدت كل شيء على نفسك، أنت أيها الوغد الكبير”.

يظن ريك أنه بردّه لمحاولات الآخرين التواصل معه بقسوة فهو يؤذيهم، لكن ما لا يُدركه، أو ما يدركه ويحاول إنكاره، أنه يؤذي نفسه في هذا بالقدر نفسه. تُمثِّل خدعة المرحاض المجاز الأمثل على هذا، فالمقلب الذي جهّزه لإذلال طوني أذَّله هو، ووجد نفسه في النهاية يجلس عاريا وهشّا، ويستمع إلى عدوه الذي لم يقهره أبدا؛ ذاته وهي تتلو عليه كل ما يعانيه في ضحك هازئ.

في تلك اللحظة من الوحدة القارصة، لم يكن لذكائه نفع، فالعبقرية، رغم رغبة ريك في أن يؤمن بالعكس، لا يمكنها أن تحل كل شيء، أحيانا، يكمن الملاذ الوحيد من برودة وعدم اكتراث الكون في الانتماء للآخرين، في الاستسلام لحاجتنا إلى أن نكون جزءا من كلٍّ أكبر -من عائلة، من مجموعة أصدقاء- نجد في وجوده ملجأ من كل ما هو قاسٍ وسيئ في هذه الحياة.

بقلم Rofayda Taha

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى