مراجعاتمقالات

مراجعة فيلم Winter Light

اعتادت شخصيات المخرج السويدي انجمار برجمان التخفي وراء قناع. أحيانا، يكون هذا قناع السعادة الذي تحاول أن تخفي وراءه مدى بؤسها، وأحيانا أخرى، ترتدي قناع الحب وتتظاهر كما لو أن الوحدة لا تنخر في عظامها. لكن القسوة والبرودة تطلان علينا بوجهيهما الكالحين منذ الدقائق الأولى لفيلم “ضوء الشتاء” غير متكلفين عناء الاختباء وراء قناع.

فنرى في المشهد الأول قداس متقشف في كنيسة قرية نائية تغمرها الثلوج في شتاء لم تعرف الشمس الساطعة سماءه إلا لمامًا. يتلو الصلوات القس توماس بتعابير وجه خالية من أي مشاعر وصوت ثلجي صارم. عندما تتحرك الكاميرا بعيدًا، نرى التقشف قد نال أيضًا من إيمان أهل القرية، فلم يحضر القداس سوى بضعة أشخاص لم تشاركهم صلواتهم سوى المقاعد الفارغة.




لكن القناع موجود لا يزال؛ ليس قناع السعادة هذه المرة، بل قناع الإيمان. يرتديه القس توماس بينما الشك ينخر قلبه. فمنذ ماتت عنه زوجته، الشخص الوحيد الذي أحب، وقد ضاع عنه الإيمان. مات الإيمان هذه المرة مع موت الحب، وخلفا وراءهما كالعادة في أفلام برجمان أنانية وقسوة.

سيطرت تلك الأنانية بكامل قوتها على توماس عندما جاء إليه صياد وزوجته يطلبان منه المساعدة. فبعد أن قرأ الصياد “يونس” في الصحيفة عن اعتزام الصين صناعة قنابل نووية تفجر بها الكوكب بأكمله، وهو يعيش حالة من القلق الوجودي وتحاصره عشرات الأسئلة التي لا يجد لها جواب، يعلوها جميعًا السؤال الأصعب: أين الله من كل هذا الشر؟ يقف يونس على شفا حفرة من الانهيار، فإن كانت الحياة هكذا هشّة يستطيع بعض من البشر أن يلحقوا بها الفناء دون أن يتدخل الإله، إن كان الله صامت لأنه ببساطة غير موجود كما تقول مارتا عشيقة توماس، فما معنى أن نستمر في الحياة إذن؟




لكن توماس لا يحاول حتى أن يخفف من حيرة يونس، بل يجد في حيرته صدى لما يعتمل في نفسه ويبثه شكوكه الشخصية. يختم توماس تلك الشكوك بالنتيجة التي توصل إليها في النهاية: “إذا لم يكن هنالك إله، أسيحدث هذا أي فرق؟ الحياة ستصبح مفهومة، والموت سيصبح مجرد تبخر لتلك الحياة، تحلل للجسد والروح. القسوة، الوحدة، الخوف، كل هذه الأشياء ستصير واضحة وشفافة”. في تلك اللحظة، يخرج يونس الذي لم يعد يستطيع أن يحتمل من الغرفة، ليقف القس منتصبًا وكأنه يتلقى وحي ما، تكلله في تلك اللحظة هالة ساخرة من ضوء منبعث من النافذة، وتنطق شفتيه بمثل ما قاله المسيح على الصليب وفقًا للإنجيل في عذاباته الأخيرة: “إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟”

لا تكتمل نشوة القس للوصول لما اعتبره الحقيقة، فبعد أقل من ساعة، تهرع سيدة عجوز للكنيسة وتخبره أن الصياد قد وجّه بندقية لرأسه وأفرغ فيها الرصاص. نعرف جيدًا كما يعرف توماس لماذا انتحر يونس، ففي غياب الإله، توقفت حياته عن أن يكون لها أي معنى فآثر أن يطلق عليها بنفسه رصاصة النهاية، ويرتاح من عناء الخوف والتساؤلات.

بقلم Maha Fagal

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى