مراجعة مسلسل Freinds
على مدار 10 مواسم هي عمر المسلسل الكوميديّ الشهير فرندز، استطاع صناع العمل أن يقدموا 6 شخصيات مختلفة تمامًا تتجانس سويًا في كوميديا مكتوبة بحرفية شديدة، لدينا أنواع مختلفة من السخرية، تلك التي يتسببها ذكاء تشاندلر فنضحك معه، وتلك التي تسببها حماقة جوي فنضحك عليه، لدينا كوميديا فيبي غريبة الأطوار التي تضحكنا حتى حين نتوقع ردود أفعالها، وكوميديا المواقف التي يصنعها هوس مونيكا ودلال رايتشل، ولدينا روس، مزيج بين الذكاء العلميّ الشديد والغباء الاجتماعيّ البالغ.
على السطح قد يبدو المسلسل مجرد عمل كوميديّ خفيف لا يتجاوز هدف إضحاك مشاهده، لكنّه في طيات الكوميديا الاحترافية يعرض بذكاء وخفة شديدين أدق تفاصيل العلاقات الإنسانية وتعقيداتها ومختلف المشاعر التي تتخللها من خلال شخصياته الستة الذين أحبهم ملايين الناس حول العالم، ملايين رأوا في مواقفهم اليومية البسيطة مرآة لصراعاتهم ومخاوفهم الصغيرة والكبيرة.
قصة الحب بين رايتشل وروس، إحدى القصص المليئة على مدار الحلقات باللحظات المكثفة الثقيلة رغم خفة الكوميديا، عندما وقعت رايتشل في حب روس أخيرا، وبعد عشر سنوات من حبّه الصامت لها، كان روس قد التقى للتوّ “جولي” التي تحبه وتعرف كيف تجعله سعيدًا، يقع روس في معضلة، هل يترك فتاة تحبه حقًا لأجل فتاة أحبها لسنين طويلة باحثًا عن فرصة واحدة ليخبرها عن مشاعره؟ يأتي هنا اقتراح تشاندلر ذوالمزاج العدمي كعادته، يقترح أن يعد روس قائمة بمميزات وعيوب كل منهما، وكعادة روس في الإنصات للمقترحات البلهاء، ينفذ دون تفكير؛ في خانة عيوب رايتشل يكتب أنها مدللّة، تعمل كنادلة وهي فاشلة في ذلك أيضًا، عندما يسأله تشاندلر عن عيوب جولي، يجيب بعفوية “لا أعرف، إنها ليست رايتشل”.
في عمل كوميديّ ساخر نحن لسنا في انتظار جمل حادقة وذكية وغامرة بالحكمة، كل ما نحتاجه هو الضحك، وهو ما يفهمه صناع فرندز أكثر من أي شخص آخر، لذلك نجحوا ببساطة في انتزاع الضحكات طوال عشر مواسم بلا ملل أو انقطاع؛ لكنّ هذة الجملة التي تُلقى بشكل عابر تصلح لأن تكون تعريفًا شديد التكثيف والحكمة للحب. الجملة التي يلقيها روس بخيبة أمل كبيرة تسخر بعفوية من تأطير العلاقات بقوائم وقواعد واضحة، ومن كل الأفكار المشابهة عن الحبّ، إنها تخبرنا ببساطة أن الحيرة التي تنشأ عن مقارنة من نوع كهذا هي دليل على غياب الحب أكثر من أي شئ آخر.
بعد أن تقطع رايتشل علاقتها بروس، ويرتبط كل منهما بآخر، تظن رايتشل أنها تجاوزت الأمر، وأن روس لم يعد أكثر من صديق مقرب، لكن في اللحظة التي تعلم فيها نية روس الزواج من أخرى، تكتشف أنها لازالت تحبه، تقرر المرواغة والإنكار، إلا أن ادعاءاتها تنهار يوم زفافه، تقرر السفر إلى لندن لتصرح له بمشاعرها، تحاول مونيكا أن تمنعها، تخبرها أن تصريحها بالحب لرجل لا يحبها سيؤلمها.
رايتشل، أتعلمين كم هو أمر مؤلم أن تقولي لأحدهم أحبك، دون أن تسمعي الكلمة نفسها منه في المقابل؟
نعم، لكنّي لا أهتمّ.
التصريح بالحب هو رغبة في تبادله مع الحبيب، إننا لا نخشى التصريح بالحب لأننا لا نمتلك جرأة التصريح، بل لأننا نخشى ثقل الرفض، لأن الحبّ والمخاطرة برفض ذواتنا هي مخاطرة وجودية حقيقيّة بتعبير آلان دي بوتون، فالتصريح بالحب يحمل معنيين دائما، الأول أحبك، والآخر والأهم، أريدك أن تخبرني أنك تحبني بالقدر نفسه. تقرر رايتشل تحمل المخاطرة، مخاطرة أن تعيش بجرح عميق لا يندمل عادة مقابل أن تنجو من إحساس بالندم سيطاردها في كل لحظة، إنها تقبل أن تقايض بذاتها وأناها على أن تكسب قلبها.
بقلم Ahmed Sami