مراجعة مسلسل House of Cards
في هذا المشهد من مسلسل House of Cards، يرسم الرهبان المدعوون للبيت الأبيض، لوحة بالغة الدقة باستخدام الرمل الملون؛ يمضي الرهبان شهرًا في رسم لوحتهم، بأقصى درجات الحرص والدقة والصبر. ينحنون على عملهم الفنيّ، معزولين تمامًا عن كل ما حولهم، لا يلتفتون لحظة لكل الشخصيات الهامة التي تحيط بهم، ولا للحضور الصحفيّ الكثيف، ولا يبدو أن وجودهم في أحد أهم مراكز صناعة القرار في العالم يعني لهم أيّ شيء أكثر مما يتطلبه إتقان لوحتهم، تمامًا كما لو كانوا في صوامعهم في جبال التبت.
لا يبدو فرانك مكترثًا لهم، حتى إنه لا يهتم بإلقاء نظرة على عملهم الفريد إلا بعد فوات الأوان، حين يأتي موعد رحيلهم. في مراسم اليوم الأخير، يكنس الرهبان لوحتهم في ثواني معدودة، بنفس اللامبالاة بالجميع، بل واللامبالاة بأنفسهم، فبعد كل ما بذلوه من جهد وصبر ووقت لإنجاز الرسم، ببساطة شديدة يمسك راهب مجرفة ويكنسه، لقد أدت اللوحة الغرض منها، لقد دربتهم على التأمل، والمثابرة، والسموّ بأنفهسم وشفاء أرواحهم، وأعطتهم درسًا عن العالم الذي تفنى فيه حتى أكثر الأشياء جمالًا ودقة، وهو درس لا يقدره فرانك بالتأكيد، ولا يفهمه.
القوة بأي ثمن، هذا ما يفني فرانك عمره من أجله، وهو ما يظهر منذ المشهد الأول من السلسلة، حين يهرع الحارس إلى كلبة تئن متألمة، لكنّ فرانك يسبق الحارس ويخنق الكلبة، ثم يخاطب المشاهد وكأنه أمامه على مسرح ما، يخبرنا بأن هناك نوعان من الألم، ألم يزيدك قوة، وألم لا فائدة منه، وهذا الثاني لا يصبر عليه فرانك، حين يصل صاحب الكلبة، يُظهر فرانك تأثرًا عميقًا، ويواسيه لخسارته.
تؤسس هذه البداية لعالم المسلسل كله، هذا رجل يعبد القوة، وهذا عالم تُمارَس السياسة فيه باعتباره مسرحًا كبيرًا، تخرج كل لقطة وفي كواليسها ما لا حصر له من الأبواب المغلقة، والإعداد والمكياج والتأنق، حتى تتحول إلى مشهد متقن، بالضرورة لا علاقة له بالحقيقة.
القوة هي محور ما بعد حياة فرانك أيضًا، إنه رجل لا يقبل بموقعه العارض والقصير من التاريخ، ويريد لحياتة الفانية أن تؤسس خلودًا لا يشبه خلود الأشخاص العاديين الذين يقبلون بإرث وامتداد قوامه أطفالهم فقط، يرفض فرانك إنجاب الأطفال، اسمه هو يجب أن يكون أكبر بكثير من أن يحمله طفل واحد، قوته ستنقش اسمه فوق التاريخ كله.
هذا يعني أنه يفتتن أيضًا بكل شيء خالد، يتأمل فرانك بشكل متكرر لوحات الرؤساء السابقين في البيت الأبيض، إنه يريد لوحة كلوحاتهم لا ينساها أحد، وهي الطريقة الوحيدة التي يفهم بها لوحة، يأخذ فرانك صورة للوحة الرهبان قبل تدميرها، يتجاهل حقيقتها الفانية ويؤطرها مثل اللوحات التي اعتاد أن يراها، ثم يأخذها معه إلى مسرحه الذي لا يستطيع أن يواجه العالم إلا من خلاله، يُهديها إلى كلير، زوجته التي توترت علاقته بها كثيرًا، مع عبارة تظهر هوسه الذي لن يشفيه رهبان العالم، “لا شيء خالد، إلا نحن”.
لكنّ كلير، تستوعب الدرس أفضل منه، إنها تعلم، مثل الرهبان، أن حتى زواجها الذي استثمرت فيه 30 عامًا من حياتها، معرض للفناء، لا شيء خالد، حتى هما، تأخذ الصورة، وترحل.
بقلم Rofayda