باتمان والجوكر: التاريخ الطبقي لصراع فارس الظلام وملك الفوضى
إن كان المخرج تود فيليبس في فيلمه الأخير (The Joker)أول مَن سلّط الضوء بمثل تلك القوة على الفارق الطبقي بين باتمان والجوكر ودوره في الصراع بينهما، فإنه ليس أول مَن لوّح بذلك الفارق. سبقه إلى ذلك آلان مور في قصة “المزحة القاتلة” (The Killing Joke) التي رسم فيها شذرات من ماضي الجوكر ووضع سياقات وأسباب لتحوّله من مواطن مسالم إلى قاتل سيكوباتي.
في تلك القصة، نرى الجوكر لأول مرة قبل التحوّل: رجل متزوج، امرأته حبلى على وشك أن تضع، يعيش في منزل ضيق في حي حقير، لا يجد فرصة عمل أغلب الوقت، وحتى عندما يفعل يكون ذلك في مهنٍ متواضعة لا تُوفِّر له ما يكفي لدفع الإيجار. يأتي لزوجته في القصة في نهاية يوم آخر لم ينجح فيه في إيجاد فرصة عمل ككوميديان، يرثي لحالها كونها متزوجة من “فاشل مثله”، ولحالهما معا في سكنهما لبيت “رائحته فضلات قطط، وعجائز”، ويبث لها رغبته في “جني ما يكفي من المال لإيجاد منزل آخر في حي أفضل” قبل أن يأتي ابنهما للوجود بعد ثلاثة أشهر.
ولأن كل الطرق سُدَّت في وجهه، يتجه للجريمة. أولى جرائمه بريئة تماما مقارنة بما سيرتكبه بعد ذلك من جرائم، لكن فشلها التراجيدي مع ما وقع من موت زوجته وجنينها في حادث عبثي هو من سيسلبه للأبد هويته وحياته السابقة، ويرسم طريقه من الآن فصاعدا كملك متوّج فوق عرش الفوضى والجريمة.
يتعاون الجوكر مع عصابة لسرقة مصنع كيميائي كان يعمل فيه سابقا، ويضع معهم خطة ساذجة تقوم بشكل رئيسي على معلومات الجوكر السابقة عن كون المصنع غير مُؤَمَّن جيدا. لكن بعد دقائق من وضع الخطة قيد التنفيذ، يلوح فارس المدينة المغوار باتمان من بعيد، لتهرب العصابة خوفا منه ومعهم الجوكر. لكن، لحظ الأخير السيئ، فأثناء مطاردة باتمان له، ينزلق من أعلى السور، ويقع في حوض كبير مليء على آخره بمادة كيميائية سامة، غطت جسده بالحروق، ودفعت بعقله في طريق الجنون.
تعليقا على قصة آلان مور يقول ريتشارد هيندفيلد في مقاله “الجوكر كماركسي”: “بينما أغدق النظام الاجتماعي القائم -وبالذات في اعتماده على رأس المال من أجل توفير أساسيات الحياة- على بروس واين بالثروة والحظوة، لم يترك للجوكر سوى القحط والبؤس. وتؤدي ملاحقة باتمان للجوكر إلى تحوّل الأخير، ما يوضح لنا كيف كان بروس واين/باتمان وطبقته السبب في سخط الجوكر”.
ينعكس ذلك المعنى على نمط الجوكر الإجرامي، فخلاف أي مجرم اعتيادي، لا يطمح الجوكر من وراء جرائمه لجني المال، ولا يمكننا في أحيان كثيرة أن نرى هدفا وراء نزعاته التدميرية من الأساس بعيدا عن كونها فوضى بغرض الفوضى.
لكن في قراءة هيندفيلد لجرائم الجوكر، يجدها موجهة في الأساس ضد رموز السلطة وأصحاب الثروة. فجرائم الجوكر في وجهة نظره ليست عبثية تماما، بل تهدف لتدمير النظام القائم الظالم لكثيرين، ومن هنا، فسبب عداوته لباتمان هو دفاعه عن ذلك النظام نفسه الذي يسعى الجوكر لتفكيكه.
يكتب هيندفيلد: “لا تعود العداوة القائمة بين باتمان والجوكر فقط لكون أحدهما مجرما والآخر مكافحا للجريمة، بل يقف وراءها صراع أعمق بكثير، يُمثِّل فيه باتمان الطبقة الحاكمة في مواجهة الجوكر الذي يحاول بشكل مستمر تدمير النظام الطبقي. في هذا السياق، لن ينتهي صراع باتمان والجوكر ببساطة عبر موت أحدهما، فحتى لو قُتل باتمان أو عُرفت هويته، فستظل القوى التي يُمثِّلها في سُدّة الحكم، ولو مات الجوكر، فستظل الجموع التي يُمثِّلها موجودة. ولهذا، نجد أن هدف الجوكر الحقيقي ليس القضاء على باتمان، بل تدمير النظام الذي يحميه”.
بقلم Maha Fagal