مقالات

مراجعة مسلسل Fleabag

لا نجد أنفسنا أبدا مضطرين أن نتساءل عمّا يدور داخل رأس فليباج، فأيًّا ما
كان، تلتفت هي بنفسها لتُخبرنا به، كاسرة في هذا الحائط الرابع. يعود مصطلح “الحائط الرابع” إلى المسرح، حيث يقف حائط متخيل بين الجمهور والممثلين، يستطيع المشاهد أن يرى ما يحدث وراءه، بينما يتظاهر الممثل أنه لا يوجد أحد على الجانب الآخر، وهو بالضبط ما تفعل عكسه فيبي والر-بريدج، بطلة ومؤلفة “فليباج”، على طول الأحداث.
لكن حديث فلبياج للمُشاهد ليس مجرد أداة سردية في المسلسل، إنها طريقتها الخاصة للتكيُّف، أو بالأحرى الهرب مما ضرب حياتها من ألم.

فعندما نقابل فليباج للمرة الأولى، يكون هذا بعد فترة بسيطة من وفاة صديقتها المُقرّبة بو وموت والدتها. أي شخص رحل عنه أقرب شخصين إلى قلبه لا بد أن ينهار، لكن فليباج لا تنهار، بل تضحك، تضحك على كل شيء. كل موقف يمر بها، بغض النظر عن مدى قسوته، هو فرصة لخلق نكتة جديدة تسخر بها منه. وبتحويلها كل شيء إلى مادة للسخرية تخلق مسافة بينها وبين ما تعيشه، فكأنها لا تعيشه، بل تشاهده فقط من على مسافة آمنة تسمح لها بالسخرية والضحك، وكأنها تراقب حياة شخص غريب عليها لا حياتها هي.




هذا بالضبط ما تحاول فليباج أن تفعله، أن تتظاهر كما لو أن حياتها بكل ما تنطوي عليه من وحدة وألم ليست حياة حقيقية، بل مادة للسخرية وإطلاق النكات. إنها طريقتها المفضلة للهرب. والنكات تحتاج إلى مُستمِع، وهنا يأتي دورنا، نحن جمهور فليباج الذي سيُنصت لنكاتها ويشاركها الضحك.

في كل مرة تلتفت فيها فليباج إلى الكاميرا لتُحدِّثها، تُعضد هذا الشعور. حبيبها هاري تركها ولن يعود مجددا أبدا إليها؟ تنظر إلى الكاميرا وتسخر من هذا. هي الآن في الفِراش مع رجل غير جذّاب لتبدد شعورها بالوحدة. تخاطبنا وتحوّل الأمر برمّته إلى دعابة. حتى وهي تحكي إلى سائق سيارة الأجرة الذي أقلّها وهي مخمورة عن موت صديقتها المقربة في الحلقة الأولى، تفعل ذلك في جوٍّ من السخرية. نحن على الجانب الآخر من الشاشة نُمثِّل طريقة فليباج المفضلة في الهرب. ففي اللحظة التي تنظر بها إلى الكاميرا وتتحدث، ينفتح أفق حياتها الضيق والمليء بالألم على بُعد آخر أكثر رحابة. قد تظن أن هذه طريقة رائعة للالتفاف على قسوة الوجود، أن تنظر إلى الأمر برمّته وتحوّله إلى نكتة، أليس كذلك؟




ليس تماما، فالسخرية فيما تخلقه من مسافة تمنعك عن العيش والانغماس في اللحظة، وفيما تُمثِّله من مهرب تحول بينك وبين المواجهة. وحتى تتمكّن من تخطي الألم فلا بد أن تعيشه أولا، فالوصول إلى الالتئام لا بد أن يعقبه مواجهة الأسى، وهو بالظبط ما تحاول فليباج بشتى الطرق أن تتجنّبه، فتظل بهذا على مدار أحداث الجزء الأول أسيرة لألمها وإن حاولت التظاهر بالعكس، وتبدأ رحلتها في التعافي ما بين الجزأين فقط عندما تُدير إلينا ظهرها، وتلتفت من الكاميرا إلى حياتها.

بقلم Rofayda Taha

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى