مراجعاتمقالات

مراجعة فيلم No Country For Old Men

إذا كانت القوانين التي تتبعها جلبت لك هذا، أيّ فائدة إذًا للقوانين؟”، في هذا المشهد من فيلم No Country For Old Men، يطرح آنطون هذا السؤال على ضحيته موجهًا نحوه سلاحه، يحاول الضحية أن يقنع القاتل أن ثمة صفقة ترضي كليهما، لكن آنطون يغضب من هذا اليقين؛ كما يغضب من كل من لا يستطيع أن يرى أن لا قوانين تستحق الاتباع، لأن لا قوانين بوسعها أن تقي الإنسان من عبثية الحياة.

“آنطون تشيغور” قاتل محترف لا يؤمن سوى بقانون واحد: الحظ، أو الصدفة، بعبارة أدق، هو لا يؤمن بأي قانون، الفوضى هي الأجدر عنده بتعريف العدل وتوجيه القرارات، يترك للحظ أن يلعب لعبته، ويسير هو وفقًا للنتيجة، دون تعلق باحتمال بعينه، ويرى أن تفوقه الخاصّ لا يتحقق إلا بانفتاح متساوٍ على احتمالات الحياة كلها.




الحياة عند آنطون هي هدية مستحقة لمن تتوافق إرادته الحرة مع الصُدف حوله، هو لا يرى نفسه سوى منفذ لرغبة القدر، ومبشر لإلهه الخاص؛ ضحيته لم يمت لأنه قتله، لكنه مات لأن قرارات الضحية لم تتوافق بالصدفة، مع قدره؛ يريد آنطون من الجميع أن يتقبلوا تفاهة الحياة وفوضويتها، وتفاهة الأسباب التي قد تسلب من الإنسان كل شيء، مثل إلقاء عملة معدنية، يعني أحد وجهيها النجاة، والآخر الموت، مثل كل أعمالهم، يريد الأخوان كوين أن يرى الإنسان ضآلته أمام مصيره.

لهذا، يحاول آنطون تجنب اعتبار أي شيء أمرًا مضمونًا، يطارد أعداءه بنفسه، لا يستعين بأحد، ولا يعتمد على أحد، حتى حين يتعرض لإصابة كبيرة، يقوم بمداواة نفسه، على الإنسان المتروك لفوضى الحياة أن يكون قويًا بما يكفي ليعالج آثار هذه الفوضى وحده، دون أن يتعالى على الصدفة، فالبقاء على الأرجح، للأقوى، والأجدر.

لكن العبث ينال حتى قوانين البقاء هذه، فلم تكن إصابة آنطون على يد الشرطة، أو تجار المخدرات، أو قاتل محترف آخر، لكن على يد لحّام بسيط يجرب حظه في الجريمة لأول مرة، هكذا تطال الفوضى حتى آنطون نفسه، فحتى قاتل محترف بحجمه ليس في مأمن من تفاهة الحياة.




بعد أن يعالج نفسه، يتعرض آنطون لحادث سيارة يكسر ذراعه؛ الحظ، والمصير، أسلحته التي يواجه بها الناس دائمًا، تقف مرة أخرى ضده، المفارقة أن السيارة صدمته حين كان سائقها يحاول تجاوز الإشارة الحمراء، بينما كان آنطون ملتزمًا بالقواعد، واقفًا خلف الإشارة، لا يتعقب آنطون الرجل، بل يتقبل الأمر بهدوء، الرجل لم يخطئ بعدم التزامه بالقانون، المخطئ هو آنطون.

يظهر “آنطون” فجأة ويختفي فجأة، لا ماضي واضح له، ولا مستقبل، كما يليق برجل تقود الصدفة حياته، إنه رجل يتقبل قدره، أو بتعبير “كونديرا” رجل تتبع حياته قدره ولا يتبع قدره حياته، إنه يحاول ببساطة أن يقلد الطريقة التي يؤمن أن الحياة تعمل بها: تضع الحياة قواعدها، ثم تنفذها، بغض النظر عما ستسببه هذا القواعد من ألم أو معاناة، وهذا ما يحاول هو الالتزام به، فلا مفر من المعاناة والعبث، على أيّ حال.

بقلم Rofayda Taha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى