مراجعاتمقالات

مراجعة فيلم The Shining

“الكثير من العمل بلا تسلية يجعل جاك فتى بليدًا”.
عندما تطّلع “ويندي” على رواية زوجها جاك التي ظلّ يعمل عليها لفترة طويلة، تصاب بفزع شديد، لم يكتب جاك سوى جملة واحدة ملأ بها مئات الصفحات، بهذا المشهد المركزي تتصاعد الأحداث في فيلم The Shining، وبهذا المشهد، نعرف ما الذي يشغل جاك حقًا بشكل كامل، إنه مثقل بحياته الجادة، وعمله في وظيفة يكرهها وتسرق منه مشروعه الخاص، فقط ليعيل أسرته و”يدفع الفواتير”.

أسرته الصغيرة تسرق منه أيضًا إحدى تسلياته المفضلة، حين يبدأ عقل جاك بالتدهور، نكتشف أن هلوساته تتضمن بكثرة تناول الكحول، لقد كان محرومًا من الكحوليات التي التي يحبها كثيرًا، في بداية الفيلم تخبرنا ويندي أن جاك قد ضرب طفلهمها من قبل لإفراطه في الشرب، كان على جاك أن يقلع عما يحب من أجل طفله، مرة أخرى.




يعتقد جاك أن الانعزال في فندق ناءٍ سيمنحه الإلهام من جديد، لكنه يكتشف أنه مازال غير قادر على جمع شتات ذهنه، زوجته وطفله إذًا مازالا السبب في تشتيت أفكاره حتى حين يترك وظيفته ويتفرغ للكتابة، ينفجر جاك غاضبًا كلما اقتربت ويندي منه أثناء عمله على روايته.

على خلفية العمر الذي يتسرب من بين يدي جاك، سارقًا للأبد جزءًا جديدًا من أحلام جاك وطموحه، ينساب الفيلم بكل ظواهره الغرائبية التي وجدت أرضًا خصبة للتمدد والازدهار في عقل الرجل الذي يبدو أنه مازال غير قادر على تقبل واستيعاب موقعه من حياته كزوج وأب.
لكن ما الذي يجعل The Shining عملًا خالدًا ومرعبًا حقًا؟ ليس بالتأكيد مجرد انحدار رجل من العقل إلى الجنون، أو الضغوط النفسية التي يشعر بها البطل، ما فعله الفيلم هو إثارة الرعب باحتراف، دون استخدام الحيل الرخيصة، أو الجثث الممزقة والممرات المظلمة.

يقول ستيفن كينج كاتب الرواية التي كتب منها الفيلم أنه استوحى الفكرة من خيالاته الخاصة كأب لطفلين حينها، بطل الرواية هو أب يضرب أبناءه، نفس الأب تعرض لتربية عنيفة في طفولته، كينج بدوره عاش طفولة بالغة القسوة؛ يعتبر كينج أن أفضل طرق التغلب على المخاوف هي مواجتها مباشرة، لهذا يقول أن روايته تمثل اعترافًا صريحًا لأب يشعر أحيانًا بالغضب الشديد تجاه أطفاله، وتنتابه أفكار لا تخلو من العنف تجاههم، ثم يخاطب نفسه، متى ستتوقف؟ إلى أي حد يمكن أن يتلاعب بك عقلك لو توفرت الظروف المناسبة؟ The Shining كانت إجابته عن تساؤلاته، يعترف: “كتبتها لأخرجها من عقلي للأبد، وأنا الآن أب يفخر أنه لم يرفع يدًا على أبنائه.”




ربما أحد أكثر ما يثير القشعريرة في الفيلم هو أنه يُلقي أمامك بالسؤال المخيف بلا رحمة، ماذا لو آذيت أقرب الناس إليك؟ وماذا لو آذاك أقرب الناس إليك؟ أين يكون الحد الفاصل بين الأمان والخوف، بين ثقتك الكاملة في علاقة ما لأنها مليئة بالحب، وخوفك الكامل منها لأنها مهما كانت فكلاكما مجرد بشر؟

منذ بداية الفيلم كل شيء يوحي بأن ثمة ما هو غامض، وأن هناك شيئًا مريبًا يحدث أو سيحدث، لا يفاجئ الفيلم مشاهده بنهايته، منذ الحوارات الأولى يشير الفيلم إلى تاريخ العنف والموت في الفندق، هناك دائمًا أمر مزعج، ومجهول، وهذا هو أكثر ما يخيف البشر، ويخلق لديهم شعورًا عارمًا بعدم الارتياح.

ما المخيف في مشهد الدوران الطويل لطفل يلعب؟ أو الأبطال يتجولون باستمرار في فندق مضيئ ومؤثث بجمال وأناقة؟ ولماذا تثير هذه المشاهد شعورًا بعدم الرتياح أكثر من مشاهد الجثث الصريحة؟ ربّما ترقب مجهول سيحدث، مع خلفية من الموسيقى غير المريحة وشريط الصوت البارع، يجعل المشاهد دائمًا ينتظر الكارثة التي ستقع، في أي لحظة.




مشاهد كهذه تتكرر طوال الفيلم، مشاهد ليست مرعبة في ذاتها، لكن السياق هو كل شيء، كرة صغيرة تُلقى لطفل يلعب، لا نعرف من أين أتت، أو طفلتان صغيرتان تظهران لسبب مجهول، أو الزوجة تقرأ جملة تتكرر على مئات الأوراق، ما يثير الرعب هنا هو أن هذه الجملة هدمت عندها ما كانت تعرفه عن زوجها، لقد فتحت أمامها فوهة كبيرة من المجهول، تهدم معها أساس علاقتها بزوجها.

لقد نجح ستفن كينج ككاتب، وستانلي كيوبريك كمخرج في إثارة المخاوف البدائية لكل إنسان ببراعة، والتلاعب بهشاشته النفسية، ودمج كل هذا مع أزمات الحياة الاعتيادية مثل تراكم المسؤوليات وموت الأحلام، ليتركا عملًا كبيرًا استطاع أن يجد صداه عند ملايين البشر الذين وجدوا فيه دلالات لا حصر لها، من تناسخ الشر وأبديته، مرورًا بطبيعة الإنسان الهشة والميالة للعنف في الآن ذاته، وليس انتهاءً بجرائم الأمريكيين ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر.

بقلم Rofayda Taha

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى