مراجعاتمقالات

مراجعة فيلم American Psycho

“أؤمن بالاهتمام بنفسي”، بهذه الجملة تفتتح المخرجة “ماري هارون” فيلمها “American Psycho”، و بها يفتح لنا “باتريك بيتمان” نافذة على شخصيته النرجسية، تتحرك الكاميرا ببطء عارضة تفاصيل مظهره الفريد، لديه حمية دقيقة للمحافظة على صحته ووزنه، وروتين للاعتناء ببشرته وجسده، على خلفيه جسده هناك عرض لشقته الفارهة في أحد أفخم أحياء نيويورك، يتباهى “باتريك” بمكان سكنه، ومظهره، وبتفرده وتفوقه.

تتابع المشاهد لعرض باقي جوانب حياة باتريك، مشهد من عمله، ثمّ نظرة على علاقته بخطيبته الجميلة، ثم عشيقته، وحياته الليلية السرية مع فتيات الليل اللواتي ينفذن له رغباته الجنسية المنحرفة. في كل مشهد من عالم باتريك، نرى رغبة باتريك المريضة في التفرد، والظهور، وانتزاع الاعتراف والانبهار، في محيطه الذي ليس البشر فيه سوى نسخ مكررة من بعضهم.




تمامًا بعد الانتهاء من تقديم حياته، يظهر “باتريك” بين زملائه، يقترب منه “آلن”، ليناديه باسم صديق آخر، “ماركوس هالبسترام”، بين زملائه يفقد باترك تفرده بشكل كامل، جميعهم يشبهونه، الثياب نفسها، النظارات المتشابهة وتصفيفات الشعر المتقاربة لدرجة أنهم يخطئون و ينادون بعضهم بأسماء أخرى، حتى إن جميعهم يخضعون لنزواتهم بالشكل نفسه: يخونون صديقاتهم.

ليس المظهر فقط، إنّما أيضًا تعريفهم الوظيفي، بعد أن ينتهي باتريك من المفاخرة ببطاقته التعريفية الجديدة، يعرض صديقه ديفيد بطاقته التي تشبهها تمامًا، ثمّ “بول آلين”، نفس البطاقة باختلافات طفيفة، يتعرّق باتريك، ويبدو عليه الشحوب والارتباك، هذا عالم يُفقده هويته، وتفرده، مهما سعى جاهدًا أن ينسج لحياته تفاصيلها الخاصة، إنه عالق في نمط طبقته الذي يتشاركه الجميع.

“باتريك” يحاول أن يعوض ما ينقصه، بحياة ليلية مختلفة، قتل فتيات الليل بوحشية بعد ممارسة الجنس هي مساحة تفرده الخاص، هو أمر لا يفعله سواه، يمارس الجنس بطريقته الخاصة، ثمّ يقتلهنّ، إنه يحاول أن يجد نفسه من خلال الغرق في إسعاد جسده، والتركيز الكامل على ذاته وفقد التعاطف تمامًا، لدرجه قتل البشر لأتفه الأسباب.




لكنّه مهما انحدر في ممارساته مازال نفس الشخص الذي لا يستطيع إشباع نرجسيته وانتزاع الاهتمام اللازم، ينهار ويقصّ مغامراته و يعترف بجرائمه، يعترف مرارًا، يصرخ، يؤكد أنه جاد تمامًا، لكن المفاجأة، لا أحد يهتمّ، يرى بوضوح أن “هذا الاعتراف لم يعنِ شيئًا”.

“اعتراف الآخرين” إذن واهتمامهم هو ما يمنحه هويته وتفرده، وليس كلّ ما يفعله ليشعر باختلافه، لكي يرى نفسه ويعرفها يجب أن يراه الآخرون ويعرفوه، وطالما ظلّ شبيهًا بهم، يظلّ حبيس آلامه، يخبرنا تائهًا بين نرجسيته وعاديته “ألمي ثابت وحاد”، في المشهد الأخير، على الباب الذي يجلس أمامه باتريك، كتبت العبارة: “ليس هناك مَخرج”، على الرغم من أن الباب هو أكثر ما يوحي بالخروج، والهرب.

بقلم Rofayda Taha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى