مراجعة فيلم American Beauty
“سأموت خلال عام، لكن بشكل ما أنا أصلا ميت”
يبدأ الفيلم بهذه الجملة لبطله الأميركي ليستر بيرنهام. تتبعه الكاميرا كاشفة لنا عن بعض من تفاصيل حياته: رجل أربعيني يعمل بوظيفة يكرهها، متزوج من امرأة كفت حتى عن الاكتراث له منذ زمن بعيد، أب لمراهقة تتمنى لو لم يكن موجودا.
كارولين، زوجته، لا تود لحياتها سوى أن تكون واجهة برَّاقة ينظر لها الجميع بإعجاب، ومع فشلها في خلق الصورة المثالية التي تنشدها، تلجأ كارولين إلى التصنع الذي يُحيل حياتها إلى زيف كاذب. أما جاين ابنتهما، فتمر بما تمر به كل مراهقة، من إحساس بالقبح والرغبة لو بدت جميلة كصديقتها الشقراء أنجيلا، لافتقاد الوجهة في الحياة والشعور بالغربة عن أبويها، إلى تمني لو وجدت فتى ما يكترث لها. يذهب ليستر وكارولين إلى مباراة تشترك بآخرها جاين في رقصة مع زميلاتها، وعندما يشاهد ليستر صديقة ابنته الشقراء أنجيلا تتمايل راقصة يفغر فاه مسحورا بها. حينها، تسيطر عليه رغبة مجنونة في تملكها.
طوال الفيلم، تظهر لنا الشخصيات وسؤال الهوية يقبع على صدرها كحجر. تنبثق الأحداث من محاولة كل منهم الإجابة عن سؤال “من أكون؟”. ليستر يجد نفسه مدفونا تحت ثِقل وظيفة مملة وحياة زوجية بائسة، تظهر له أنجيلا بكل ما فيها من جمال وحياة كضوء يلوح من بعيد يعده بنفخ روح الوجود به مجددا، تصير له كفاكهة محرمة، يبذل نفسه ويعيد تعريف ذاته من أجل الظفر بها. وكارولين ابنة للثقافة الرأسمالية، تقدس النجاح وتجعل منه هدفا أسمى للحياة، لأجله تُقدم ذاتها قُربانا على مذبح المثالية دون أن تدري لحظة أن ما تنشده لا يوجد فقط سوى في الإعلانات وكتب التنمية البشرية.
هكذا، تجد كل شخصية الإجابة عن سؤالها في القلب من زيف يستنفدها. وعلى الجانب الآخر، يظهر لنا ريكي صديق جاين، الذي بالرغم من صغر سنه فهو الوحيد الذي يعرف حقا من يكون وماذا يريد.
في واحد من أهم مشاهد الفيلم، يحكي ريكي لجاين عن أحد أيام الشتاء الباردة شاهد فيه كيسا بلاستيكيا صغيرا تُطيره الريح. أسره جمال المشهد على بساطته، وصوّره بكاميرا الفيديو التي ترافقه أينما حل. قال لجاين حينها: “في ذاك اليوم، أدركت أن هنالك حياة كاملة وراء الأشياء… أحيانا يوجد الكثير من الجمال في هذا العالم، أشعر أمامه أنني ضعيف، أن قلبي على وشك أن ينفجر”.
طوال الفيلم، وتقريبا في كل مشهد من مشاهده، تظهر الوردة الحمراء كمثال على تصور الشخصيات للجمال. في بداية الفيلم تظهر جاين وهي تعتني بها، تُشذبها وتُنظفها ثم تقطفها. ويظهر ليستر وهو يتخيل أنجيلا تستحم في حوض من أوراقها. ثم يأتي مشهد الكيس البلاستيكي، كيس بلاستيكي مُهمَل تراقصه الريح يصفه ريكي كأجمل شيء رآه في حياته. بينما اتبع ليستر وكارولين الجمال الزائف الذي رمز له المخرج بالوردة الحمراء، رأى ريكي أن الجمال يَكمُن في أبسط الأشياء، في أخفها.
يظهر مشهد الكيس على الشاشة ثلاث دقائق تُرافقه خلالها موسيقى توماس نيومان البديعة. وكأن المخرج سام مندس يريد أن يقول لنا عبره إن السحر الحقيقي يكمن في الانسيابية، في الخفة، في الأشياء المُهمَلة واللحظات البسيطة. إن الرضا والسعادة لا يكمنان في الحياة المُعقدة التي تستولي عليها المظاهر الخادعة، بل في الروح المُتخففة من أثقال الوجود، التي ترقص برقّة على إيقاع الريح ككيسٍ بلاستيكي صغير.
بقلم Maha Faggal